أفكار وتصاميم - تصميم داخلي - تصميم معماري - مجتمع وحياة

لماذا تُشعرك بعض المساحات بالقلق بينما تُساعدك أخرى على الشفاء

This post is also available in: English

ArchitectureWave logo

ArchitectureWave "مقال مترجم ومنشور بالتعاون مع مجلة "آرشيتكتشر ويڤ"

(المصدر)

لا يعكس منزلك شخصيتك فحسب، بل يُشكّل جهازك العصبي. من ألوان جدرانك إلى كمية الفوضى في ممرّك، كل خيار تصميمي يُخاطب عقلك وجسمك مباشرةً. بعض المساحات تُهدئُك، وتريحك، وتدعم صحتك. بينما قد تُسبب لك مساحات أخرى التوتّر والإرهاق، أو حتى انحدار المزاج دون أن تُدرك السبب. في هذه المقالة نستكشف علم الأعصاب الكامن وراء التصميم المكاني، وكيف تُنظم المساحات التي تعيش فيها جهازك العصبي أو تُسبب اختلالًا فيه.

سنشرح لماذا يُمكن للتغييرات الطفيفة في بيئتك المادية أن تُحدث تحولات ملموسة في حالتك النفسية والعاطفية. ستتعلم أيضًا كيفية تصميم منزل يُساعدك على الشعور بالأمان والاستقرار والحيوية.

الجهاز العصبي وبيئتك

لفهم سبب لماذ تمنح بعض المساحات شعوراً بالراحة والبعض الآخر شعوراً بالإرهاق، علينا أن ننظر إلى كيفية استجابة الدماغ والجهاز العصبي للمحفّزات البيئية. للجهاز العصبي اللّاإرادي فرعان رئيسيان: الودّي (المواجهة أو الهروب) والباراسمبثاوي (الراحة والهضم). تؤثر بيئتك باستمرار على أيهما الفرع المُسيطر.

الأضواء الاصطناعية الساطعة، الصوتيات القاسية، الأسطح المزدحمة، وضعف دوران الهواء ترسل إشارات التهديد أو الفوضى. هذا ينشط الجهاز الودّي. في المقابل، يساعد الضوء الطبيعي، والملمس الناعم، والمساحات المفتوحة، والألوان الدافئة على تنشيط الجهاز الباراسمبثاوي وتعزيز الهدوء والشفاء.

صورة لميغيل ألكانتارا على Unsplash

تطور دماغك لمسح محيطك بحثًا عن الأمان. يحدث هذا دون مستوى الوعي. تُسمى هذه العملية "الإدراك العصبي"، وهو مصطلح صاغه عالم الأعصاب الدكتور ستيفن بورجيس. إذا كانت مساحتك فوضوية بصريًا، أو صاخبة جدًا، أو بلا حدود واضحة، فقد يبقى جسمك في حالة تأهب خفية.

التحميل البصري الزائد وارتفاع الكورتيزول

قد يؤدي الإفراط في المعلومات البصرية إلى زيادة تحميل قدرة الدماغ على المعالجة. تشير الدراسات إلى أن البيئات المزدحمة أو المُحفِّزة للتوتر يُمكن أن تزيد من مستويات الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الرئيسي. وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عام ٢٠١٠ أن النساء اللواتي يعشن في منازل مُزدحمة لديهن مستويات أعلى من الكورتيزول على مدار اليوم.

صورة من eleonora على Unsplash

لماذا يحدث هذا؟ لأن الفوضى تتطلب تركيزًا إدراكيًا. يُفسِّر الدماغ الاضطراب على أنه عمل غير مُكتمل، ومهام لم تُحل، وتهديدات مُحتملة للبقاء. يُمكن أن يؤدي هذا الضغط اللاواعي إلى إرهاق ذهني، وقلق، وحتى اضطراب النوم.

تُساعد البساطة على تقليل إرهاق اتخاذ القرارات والإفراط في التحفيز. تُتيح الخطوط النظيفة، ولوحات الألوان البسيطة، والمساحات الخالية المُريحة للتنفس للدماغ فرصة للراحة.

الضوء والإيقاع اليومي

تُعتبر الإضاءة من أكثر الجوانب التي لا تحظى بالاهتمام الكافي في البنية العاطفية. تعتمد الساعة الداخلية لجسمك، أو الإيقاع اليومي، على التعرض للضوء الطبيعي طوال اليوم. يُمكن أن يُؤدي سوء تصميم الإضاءة، وخاصةً مصابيح الفلورسنت أو عدم توفر ضوء النهار، إلى خلل في هذا الإيقاع. وهذا يؤثر على النوم، والمزاج، والطاقة.

صورة من آني سبرات على موقع Unsplash

يمكن للأضواء البيضاء أو الزرقاء الباردة في المساء أن تؤخر إنتاج الميلاتونين (هرمون طبيعي تفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ لتنظيم دورة النوم والاستيقاظ) وتجعل النوم أكثر صعوبة. أما الإضاءة الدافئة ذات اللون الكهرماني في المساء فتدعم استجابة الجهاز العصبي اللاودي. خلال النهار، يعزز التعرض لأشعة الشمس، حتى من خلال النوافذ، السيروتونين ويدعم اليقظة والتركيز.

إذا كنت تشعر بالتعب المزمن أو القلق أو الانقطاع في المنزل، فقيّم مصادر الإضاءة لديك. جودة الضوء أقوى مما يدركه معظم الناس.

الملمس والعقل المرتبط بالجسم

يستجيب الجهاز العصبي للمدخلات اللمسّية. تخاطب الملمس الخشن أو الناعم أو الدافئ أو البارد أو الناعم أو الخام مباشرةً الجزء الحسي من دماغك المعروف باسم ”القشرة الحسية الجسدية“ (somatosensory cortex) . 

تساعد الاماكن التي تضم مجموعة متنوعة من الاسطح الطبيعية مثل الخشب والكتان والطين والصوف أو الحجر على استرخاء الجسم. فهي تحفز الفضول الحسي وتوفر ما أسماه عالم النفس جيمس جيبسون ”الانفتاح“ على المحيط (affordances): دعوات خفية للتفاعل مع البيئة بطريقة آمنة وذات معنى. 

في المقابل، قد تُشعر الأسطح المعقمّة، مثل الجلد الصناعي أو الزجاج البارد أو البلاستيك، بأنها مُنفّرة أو محايدة عاطفيًا. فهي لا تُوفّر أي ترابط جسدي أو دفء عاطفي.

اللون والتنظيم العاطفي

علم نفس الألوان حقيقي وقابل للقياس. ترتبط أطياف الألوان الترابية الدافئة، مثل الطين الأحمر، والأصفر المصفر، والبيج الناعم، بالترابط والأمان. أما الأطياف الباردة، مثل المريمية، والخزامى، والأزرق الداكن، فتدعم التأمل والاسترخاء.

يمكن أن يُحسّن استخدام الروائح الطبيعية، مثل الأرزة، والخزامى، والحمضيات، المزاج ويُخفّف التوتر. يجب استخدام الزيوت العطرية، والشموع، أو مُعطّرات الروائح، بوعي. فالإفراط في استخدام العطور الاصطناعية قد يُصبح مُسببًا للتوتر.

الحدود المكانية والحاجة إلى التحكم

قد تبدو المساحات المفتوحة عصرية وواسعة، لكنها غالبًا ما تفتقر إلى الحدود النفسية. قد يشعر الأشخاص الذين يعانون من صدمة نفسية أو حساسية حسيّة بالإرهاق في مثل هذه المساحات.

صورة من جي بي شيرد على Unsplash

إن خلق فاصل بصري باستخدام الستائر أو أرفف الكتب أو النباتات أو الإضاءة يمكن أن يعيد الشعور بالاحتواء والأمان. البشر مخلوقات مكانيّة. ننظّم أنفسنا بشكل أفضل في البيئات التي نستوعب حدودنا فيها ونشعر بالسيطرة عليها.

صورة من سبيس جوي على Unsplash

التصميم لتنظيم الجهاز العصبي

إذن، كيف يمكنك إنشاء مساحة علاجية بدلًا من أن تؤذي؟

  1. تخلص من الفوضى بوعي. احتفظ فقط بما يخدم غرضًا أو يجلب السعادة.
  2. خفف الإضاءة. استخدم مصابيح دافئة قابلة للتعتيم وإضاءة طبيعية كلما أمكن.
  3. استعمل اسطح مختلفة. أجمع بين مواد لمسية مختلفة لتحفيز الشعور بالتوازن.
  4. استخدم ألوان هادئة. اختر درجات الألوان بناءً على ما تريد أن تشعر به في كل غرفة.
  5. أضف نعومة صوتية. استخدم المنسوجات لتقليل الصدى والصوت القاسي.
  6. أدخل عناصر الطبيعة. أضف نباتات أو خشبًا أو حجرًا أو عناصر مائية.
  7. احترم المناطق. أنشئ (داخل المنزل) مناطق منفصلة للعمل والراحة والإبداع والعزلة.

الخلاصة: منزلك أداة للجهاز العصبي

منزلك ليس محايدًا. إمّا أنه يهدئك أو يُثيرك. إما أنه يساعدك على العودة إلى طبيعتك أو يُخرجك منها.

عندما تفهم احتياجات جهازك العصبي، تبدأ في تصميم منزلك بشكل مختلف. تتوقف عن تقليد الصيحات وتبدأ في بناء ملاذات آمنة. أكثر المنازل شفاءً ليست أغلى المنازل أو أكثرها أناقة، بل هي تلك التي تُبنى بوعي وقصد وصدق عاطفي.

لست بحاجة إلى منزل جديد. أنت بحاجة إلى علاقة جديدة مع منزلك الحالي.

المصدر:

ArchitectureWave logo

ArchitectureWave (اضغط هنا)

شارك برأيك